responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 98
[سورة التوبة (9) : الآيات 68 الى 69]
وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (68) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (69)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ مِنْ قَبْلُ فِي المنافقين والمنافقات أنه نسبهم، أَيْ جَازَاهُمْ عَلَى تَرْكِهِمُ التَّمَسُّكَ بِطَاعَةِ اللَّهِ أَكَّدَ هَذَا الْوَعِيدَ وَضَمَّ الْمُنَافِقِينَ إِلَى الْكُفَّارِ فِيهِ، فَقَالَ: وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّارَ الْمُخَلَّدَةَ مِنْ أَعْظَمِ الْعُقُوبَاتِ.
ثُمَّ قَالَ: هِيَ حَسْبُهُمْ وَالْمَعْنَى: أَنَّ تِلْكَ الْعُقُوبَةَ كَافِيَةٌ لَهُمْ وَلَا شَيْءَ أَبْلَغُ مِنْهَا، وَلَا يُمْكِنُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا.
ثُمَّ قَالَ: وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ أَيْ أَلْحَقَ بِتِلْكَ الْعُقُوبَةِ الشَّدِيدَةِ الْإِهَانَةَ وَالذَّمَّ وَاللَّعْنَ.
ثُمَّ قَالَ: وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَعْنَى كَوْنِ الْعَذَابِ مُقِيمًا وَكَوْنِهِ خَالِدًا وَاحِدٌ، فَكَانَ هَذَا تَكْرَارًا؟
وَالْجَوَابُ: لَيْسَ ذَلِكَ تَكْرِيرًا، وَبَيَانُ الْفَرْقِ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ لَهُمْ نَوْعًا آخَرَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُقِيمِ الدَّائِمِ سِوَى الْعَذَابِ بِالنَّارِ وَالْخُلُودِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا، وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَذَابَ بِالنَّارِ دَائِمٌ. وَقَوْلُهُ: وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُمْ مَعَ ذَلِكَ نَوْعًا آخَرَ مِنَ الْعَذَابِ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا التَّأْوِيلُ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ قَالَ فِي النَّارِ الْمُخَلَّدَةِ: هِيَ حَسْبُهُمْ وَكَوْنُهَا حَسْبًا بمنع مِنْ ضَمِّ شَيْءٍ آخَرَ إِلَيْهِ.
وَجَوَابُهُ: أَنَّهَا حَسْبُهُمْ فِي الْإِيلَامِ وَالْإِيجَاعِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَيُضَمُّ إِلَيْهِ نَوْعٌ آخَرُ زِيَادَةً فِي تَعْذِيبِهِمْ. وَالثَّانِي:
أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ الْعَذَابُ الْعَاجِلُ الَّذِي لَا يَنْفَكُّونَ عَنْهُ، وَهُوَ مَا يُقَاسُونَهُ مِنْ تَعَبِ النِّفَاقِ وَالْخَوْفِ مِنِ اطِّلَاعِ الرَّسُولِ عَلَى بَوَاطِنِهِمْ، وَمَا يَحْذَرُونَهُ أَبَدًا مِنْ أَنْوَاعِ الْفَضَائِحِ.
ثُمَّ قَالَ: كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا رُجُوعٌ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ، وَهَذَا الْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا: الْأَوَّلُ: قَالَ الْفَرَّاءُ: فَعَلْتُمْ كَأَفْعَالِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ تَعَالَى شَبَّهَ الْمُنَافِقِينَ بِالْكُفَّارِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُمْ فِي الْأَمْرِ بِالْمُنْكَرِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمَعْرُوفِ، وَقَبْضِ الْأَيْدِي عَنِ الْخَيْرَاتِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ أُولَئِكَ الْكُفَّارَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا أَشَدَّ قُوَّةً مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا، ثُمَّ اسْتَمْتَعُوا مُدَّةً بِالدُّنْيَا ثُمَّ هَلَكُوا وَبَادُوا وَانْقَلَبُوا إِلَى الْعِقَابِ الدَّائِمِ، فَأَنْتُمْ مَعَ ضَعْفِكُمْ وَقِلَّةِ خَيْرَاتِ الدُّنْيَا عِنْدَكُمْ أَوْلَى أَنْ تَكُونُوا كَذَلِكَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى شَبَّهَ الْمُنَافِقِينَ فِي عُدُولِهِمْ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَجْلِ طَلَبِ لَذَّاتِ الدُّنْيَا بِمَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ، ثُمَّ وَصَفَهُمْ تَعَالَى بِكَثْرَةِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَبِأَنَّهُمُ اسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ، وَالْخَلَاقُ النَّصِيبُ، وَهُوَ مَا خُلِقَ لِلْإِنْسَانِ، أَيْ قُدِّرَ لَهُ مِنْ خَيْرٍ، كَمَا قِيلَ لَهُ: قَسْمٌ لِأَنَّهَا قَسْمٌ وَنَصِيبٌ، لِأَنَّهُ نُصِبَ أَيْ ثَبَتَ، فَذَكَرَ تَعَالَى

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 98
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست